لا أملك نايا سحريا !!!

كنت بالفعل قد تحولت إلي كتابة القصيدة النـثرية ( وكنت أكتب شعرا حرا قبلها ) - موقنا بضرورة التجريب لمواجهة اليقين الكلاسيكي والوضوح الذي لا يؤدي إلا إلي المباشرة والخطابية – حين استثارتني مقالة الأستاذ / محمود أمين العالم( الشعر تغيير واستفزاز ) والتي زينت العدد الأول من مجلة شعر والذي صدر في أكتوبر 2001 كمجلة غير دورية تعني بقصيدة النثر وتغيراتها .. ورغم أنني كنت قد تعرفت علي كتابات معظم الشعراء في هذا العدد مثل أسامة الدناصوري وحسن خضر وياسر شعبان وياسر عبد اللطيف وغيرهم , إلا أن كريم عبد السلام – الذي كان المحرر المسئول عن المجلة – قد أثّر في شخصي كثيرا وألهب الكثير من الطاقات داخلي , وربما كانت تجربة ميلاد زكريا الطازجة هي المنافس لكتابة كريم في قلبي وقتها واجهت – مثل كل كتاب القصيدة النثرية في مصر – عاصفة هوجاء من الانتقادات غير الموضوعية من كارهي التجديد , وعقولهم التي تم قولبتها مسبقا وعلي مدي زمن طويل , ضاربين بعرض الحائط ما أشار إليه اليوت من أن ابتكار شكل جديد في الشعر يعد من أهم الأحداث في تاريخ أي أمة, ومتناسين أن الشكل الجديد قد ظهر مسبقا في محاولات جبران وجورجي زيدان وميخائيل نعيمة .. بل واحمد زكي أبو شادي .. وتجلت في إصدار حسين عفيف 10 دواوين نثرية كاملة وكتاب في رؤيته الشعرية الجديدة اسماه ( الشعر المنثور ) , ثم محمد الماغوط وانسي الحاج وادونيس .. وتم التأسيس لذلك في جماعة شعر – والتي تم ذبحها ربما لأنها كانت ذات توجه سياسي مناهض للقومية العربية ذلك الاتجاه الذي كان عارما في ذلك الوقت – وربما عدم وجود حركة نقدية أو تنظيرية لهذا الاتجاه وقتها قد ساهم بشكل أو بآخر في السقوط .. و في رأيي الخاص إن شعراء هذا الجيل ممن يكتبون القصيدة النثرية قد سقطوا في فخ الإيقاع المجاني والنزوح إلي المركزية ونبوة الشاعر .. نفس ما وقع فيه شعراء التفعيلة آنذاك !!
إن قصيدتنا الراهنة ترفض تماما ايدولوجيا القديم وتطعن المركزية وتعني بالهامشي الذي له وجهات نظر غير شمولية عن العالم .. انه مفهوم مختلف تماما عن الحداثة , ولربما كانت تسمية ( ما بعد الحداثة ) تعول علي عدم اقتناعنا بوجود مفاهيم ثابتة في العالم .. ذلك العالم الذي يحتاج إلي إعادة هيكلة دماغية حتى يستوعب الجديد والمغاير ..
إن النثر هو معطي أولي شديد الثراء وليس قالبا جاهز التشكيل .. إننا نستهدف الشعرية لذاتها بعيدا عن الحدود المقيدة .. لا شيء اسمه اليقين ولا اعتراف بالكهنوت المدعي للشاعر .. إن الإحاطة الكلية بالعالم والتي يدعي الشاعر التقليدي الإمساك بناصيتها هي محض وهم , لأننا لا نعيش في عالم واحد متماسك .. إنها عدد من العوالم المفككة التي تتبادل فعلي النفي والإزاحة
ربما تكون نهاية شهادتي هذه هي سطور كريم عبد السلام : " إن ما يجب الالتفات إليه هو ذلك الوجه الديكتاتوري القبيح الذي ينفي الآخر المختلف معه بل ويمحوه محوا لو استطاع وهنا مربط الفرس كما يقول العامة "
" اقطن بيتي الخاص ولم أقلد أحدا في شيء قط واسخر من كل معلم لم يعرف كيف يسخر من نفسه " – نيتشه .