جماعة ابحار الادبية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جماعة ابحار الادبية

واحـةالأدب العربي التي تحتضن كل مشارب الفكر والابداع مستهدفة إرساء قيم الحريةوالحق والخير والجمال دون إسفاف أو ابتذال . من أبناء بورسعيد الى مصر والعالم العربي..
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سمير الفيل / التشكيل بالصورة .. رؤية جمالية لقصائد مقاتلة في شعر عبده العباسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبده العباسي




عدد الرسائل : 14
تاريخ التسجيل : 03/02/2010

سمير الفيل  / التشكيل بالصورة .. رؤية جمالية لقصائد مقاتلة  في شعر عبده العباسي Empty
مُساهمةموضوع: سمير الفيل / التشكيل بالصورة .. رؤية جمالية لقصائد مقاتلة في شعر عبده العباسي   سمير الفيل  / التشكيل بالصورة .. رؤية جمالية لقصائد مقاتلة  في شعر عبده العباسي Icon_minitimeالثلاثاء مايو 31, 2011 11:18 pm

* إشكالية الاغتراب : الهجرة والتهجير !

بورسعيد قوية ، متجددة ،مفارقة للإعتيادي ، تتحدى الموت ، وتتجه للصباح ، لكن قدرها أن تظل تقاوم منذ ميلادها كوطن ومدينة حتى هذه الساعة . هذه ظلال نلمحها ترسم مشهدا آخر لديوان " النزع الأخير من السفر " للشاعر عبده العباسي .
وبالرغم من أن هذه النزعة القوية تتسرب في مفاصل الديوان وفي كل خلايا الدقيقة للنصوص فإن ثيمة الموت تبدو حاكمة ومسيطرة ، وتتخذ أشكالا متعددة من الحضور والتأثير ،ونحن لا نخاف الموت الفيزيقي لأنه حق على كل كائن حي ، لكننا نبدو في مواجهة مستمرة مع ما تحمله فكرة الموت المعنوي ومكابدات الوحدة في ظل هاجس الانكسار لمدينة تبدو من خلال تاريخها محاربة بامتياز مهما بدا في الأفق علامات يأس واستسلام . مع التباس مفهوم الوجود نفسه يجلو الشاعر بصيرته ليكتشف خلف ركام الموت سببا للسمو والعلو على نثار الواقع وانكساره ، هذا ما نجده في الإهداء الذي يبدو موجها لنفسه باعتباره ـ أي الشاعر ـ قناع هؤلاء الناس الذين تخاطبهم القصائد ، وسوف تشعر دون شك بهذا التوافق الوجداني الذي يجمع عنصر المقاومة مع التصدي العنيف للموت بمعناه الوجودي البات والقار في نفس كل إنسان ، وسينتقل النص من مهاده الواقعي إلى مشهد تصويري يستدعي مفردات هي التي تشكل صورة للمواجهة في تخلقها المفارق لكل ما هو ضعيف ، ومفكك ، في صيغه المراوغة :
موت على زند دراعك
ما تميل
على كتف الغير
إتحمل واشرب أوجاعك
ما تعش ّ ولا مرة كسير
دايما فارد عب شراعك
ما تملش من طول السير
وانسى في اللحظة من باعك
كون القبطان
أنت أمير
الشاعر يتحدث عن الموت داحضا إياه بدافعية الحياة ، متخذا المنهج الواقعي في التعامل مع الظواهر التي سيتعرض لها في أعماله ، ولاشك " أن المنهج الواقعي يفترض وجود طريقة خاصة ، محددة تاريخيا ، لرؤية الحياة لدى الفنان ، فالرغبة في فهم العالم إنطلاقا من العالم نفسه تجعل العمل الواقعي وسيلة لفهم الواقع ، وكشف موقف الإنسان منه "
لكن في نفس الوقت يمكننا أن نعيد تركيب المشهد الواقعي بناء على خبرتنا الذاتية بفهم إمكانيات اللغة ، وهو ما يجعل النص قادرا على منح تفسيرات متجاورة أحيانا ومتداخلة أحيانا أخرى ، ولعلنا في تناولنا لهذا الإهداء نلمح هذا التواصل القوي والشفاف بين خطاب المقاومة من حث على التحمل والصبر ،وهو ما يجعل أفعال الأمر تبدو متراكضة ، متتابعة ، مع إقصاء كل ما يشير إلى إمكانية المواءمة مع ما يشهده الواقع من سقوط وانهيار ، وإذا عدنا للبحر الذي هو المفردة الأولى التي رأينا مدى تأثيرها في الديوان الأول وجدناها هنا في تشكيل آخر مختلف ، مع منظر الشراع المفرود ، والرغبة في الإبحار بقوة وكبرياء القبطان الذي هو المدبر والقائد ، وسيطوقنا ذلك الإحساس بمأساة من باع الماضي ، وتخلى عن الحاضر ، لأنه في لحظة ضعف كفر بالمستقبل ، وهي مأساة متجددة رصدتها قصيدة العامية المصرية منذ ابن عروس مرورا ببيرم التونسي وصولا إلى سيد حجاب وفؤاد حداد، والأبنودي ، وزكي عمر ، وزين العابدين فؤاد ،ومحمد سيف ،وعمر نجم ، وعبد الدايم الشاذلي ،ومحمد كشيك ، وماجد يوسف ،والجيل الذي تلى هذه النخبة فعاش الانكسار واقعا لا قصيدة!
البحر هو اتساع الخيال ، وهو الوطن للصياد ، لكنه " المالح" للبورسعيدي الذي يرى أسراب الطيور تأتي مهاجرة فيما الصحاب يفردون أشرعة الرحيل ، وتكاد قصائد العباسي كلها تنشع بالسفر والترحال ، ولو تصفحنا الديوان ذاته فسنجد بعض القصائد مكتوبة في الغربة ، بالتحديد الكويت ، فالكتابة جاءت نتيجة خبرة شخصية ، لونتها جماليات اللغة ، وهنا ينكشف أمر الرحلة التي هي رهينة الإحساس بالفقد ، ومع الاغتراب تأتي المواويل ، ويتأتى الغناء الذي هو البوح في ترديدات تعكس ما في داخل الإنسان من حب للوطن ، ودار للأهل ، وحضن للحبيبة :
راهنت على احتمال الرحلة والترحال
راهنت اكون على لسانك
صدى لموال
ولا يطرحني موج سارح
يرميني بشطك المالح
يفتّح دفتري الجارح
وتشوفي عورة امبارح
بشماتة سطرها الفاتح
شرايينه لكل غريب
وقلبي كان ريحانة
وطيب
يغطي ضعفك الطارح
نبات شوكي على الصفحات
كأن ثمة روحا تتأبى على التقولب تقدم على السفر دون أن تفرط ولو للحظة في الوطن والأهل ، ولذا نعثر على كلمة " الرهان " بما توحيه من قياس القدرة على الصمود في وجه كل المغريات التي تنزع الانسان من وطنه مكانيا ، لتحاول بعد ذلك أن تنزع منه كل عناصر الوطن ، لذا تأتي المواويل ، ويعود البحر الذي رأيناه وطنا وسكنا ليطرح مفرداته الحية المتحركة ( موج ، شط ، المالح ) وهي تمتد لترسم صورة لذلك المكان الذي ينخلع منه الإنسان المسافر كجسد دون أن يعني ذلك تبدد الروح ،وسنرى صورة مدهشة هي تصوير قلب المسافر كريحانة لها عبيرها الفتان الذي يغطي على كل ضعف ، وتتنحى النباتات الشوكية التي طفت على الصفحات ، وهو تشكيل مشهدي يجمع المهاد الواقعي للشاطيء كما يمتد لمناخات صحراوية أجاد الشاعر توظيفها ، وتتراوح مفردة الغناء بين نوح وبكاء مرة ، وبين صحو وإشراق مرة ثانية ، لكننا لا يمكن أن نغفل ذلك الإحساس القوي بالشجن في كل الأحوال :
طار الحمام
وصحينا على صوت الفزع
الوطن له شال حزين
بيطرزه
علشان في ساعة يلبسه
يصبح تمام
واليوم ومن بدر السنين
الألعبان الحاوي الجبان
لفلف حباله وتحت شاله
شايل خنجره المسموم
ياهلترى
نفس مين مننا المكتوم؟
يصل الغناء هنا إلى ذروة اكتماله مع العودة للأهازيج الشعبية " طار الحمام " ، ولكن بدلا مما يبعثه الطائر الرقيق من سلام وسكن ينطلق الفزع ، ويصبح "الوطن له شال حزين " وهي صورة جامعة مانعة فيها من الترميز الكثير ، وكدت أجعلها مدخلا للدراسة لكنني عدت لأضعها كجملة لها جمالها الخاص في سياق ثيمة الاغتراب حيث يرتدي الوطن شاله المهيب ، ويعرج الشاعر على الصورة النقيض لما يمثله " الألعبان " من قدرة على الخداع والمخاتلة ، فيرسمه وهو يلفلف أحباله ثم يخفي خنجره المسموم الذي يوشك أن يطعن به عزيزا أو صديقا أو وطنا . ثم ما يلبث أن ينهض السؤال الصعب ، بصيغة أقرب للاحتجاح : من سيكتم أنفاسه ؟ من سيقتل؟ ويبتعث الشاعر ريحا مشئومة تقوم بحل اللغز ، حين يصبح الولد هو البلد ، فيعيدنا هذا المفهوم للثيمة الشجية التي هي " طار الحمام " مع ما يتضمنه ذلك الطيران من رغبة في الانعتاق من إسار القيد ، وتحرر يبعث في النفس راحة أكيدة .
تظل الغربة هي الهاجس ، وينبثق البحر عبر كل إطلالة والتفاتة ليشغل لنا تلك المساحة من التساؤلات عن جدوى السفر ومعناه ، ومعاناته ، في ذات الوقت الذي يشكل الشاعر أسطورة الرحيل محملا إياها سحر البحث عن المدن البعيدة التي ستمنحه شيئا باع العمر من أجله ، ومن خلال صور رامزة يتشكل المهاد التخييلي لصورة الوطن الذي يبتعث من صمته ، وهنا تصبح ( بلاد الله ) البديل المؤقت لبلاد يعرفها وشوارع تعرفه ، وأناس اشتجر معهم بالود أو الخصام :
عشان الغربة مغرمتي
تشمر في الزحام توبها
تدفيني لحد ما أنام
جاورت عيونك الترحال
وقلت كلام
عن الموجة اللي شادة مهجتي لفرقة

عشان المغربة داري
وداري مداها بلاد ( الله )
بساطة أهلها دمعة
بقية عمرها
شمعة
تدوب في موسم التهجير
وطعم القهوة
دمه تقيل
تاخدني رشفة التنهيد
لبدر جديد
يأخذنا هذا الوعي بحقائق الغربة إلى مساحة جديدة من تشكيل الصورة حين تصبح تلك الغربة هي غرامه ففيها يجد ما يعتقد أنه يغير من أحواله ، لذا تأتي على هيئة إمراة تمنحه الدفء ، لكنه سرعان ما يعود للمفردة الأولى التي تمنحه كل ما يمكن أن يبعث في نفسه الطمأنينة ، فتشده الموجة لبهجة مراوغة ، وتصبح داره التي فارقها ، ولم لا وهي جميعها ( بلاد الله ) وهو تعبير مألوف قرأناه عن السندباد ،والمركب تنقله من بلاد الله خلق الله إلى بلاد أخرى ، وهو نفس ما يشعر به السندباد العصري الذي يلون فضاء الاغتراب بدمعة من العين وزفرة من الصدر ، ويختلط عليك الأمر أهو اغتراب بالرغبة والاختيار أم هو تهجير بما يستدعيه هذا اللفظ من معاناة أبناء خط القنال كلما تعرضت مدنهم للعدوان فأبعدتهم "الحكومة " عن ديارهم في رحلة اغتراب قسري ، وفي كل الأحوال فسواء كانت هجرة أم تهجير فالنتيجة واحدة وهو إحساس قوي بالفقد حين يشعر اللسان بطعم القهوة مرة ، وتأخذه الرشفة للتنهيد ، وفي انتظار طلوع قمر جديد يرده إلى بلاده .. إلى الوطن والسكن.
قد تبدو القصائد تصعيدا لمأساة الفقد ، وتوجها نحو نطاقات أخرى من الاغتراب الذي تتكثف صوره في مناطق شعرية تنشطر فيها الذات بحثا عن خلاص ولكن أين المفر ، والديوان كله هو رحلة اغتراب ، واقتراب من الموت الذي هو مفارقة الروح للجسد ، والجسد هنا هو بورسعيد ، أو مصر ، والمفردة الجميلة المعبرة عن العودة والرقة في آن هو صورة النورس محلقا بالأبيض الشاهق والنورالمختال البهي :
وإنت يا صاحبي ياللي مهاجر
إمتى تعود؟
حامل لنا كام حفنة ضي
تبدرها
في زحمة شوارعنا
وتسمعنا غنوة نورس
فاردة شراعها
بعد ركود الملح على الشطآن
يمكن تنعش أوراقه
ونفرد طولنا
في ضلة ساقه
بعد عناء العمر المكدود
السؤال يوجهه الشاعر للمهاجر ، وربما إلى نفسه . ينطوي هذا السؤال على حرج بالغ ؛ فهو ينتظر العودة لينثر الضوء في قدومه ، ومع زحمة الشوارع يشعر العائد بالألفة ، ويمنحه الشارع إحساسا قويا بالمواطنة ، وسرعان ما ترتد الصورة إلى الثيمة الأولى ونعني بها البحر حيث يستدعي إحدى عناصره الحية التي تتكرر في نصوص عبده العباسي بأشكال مختلفة ، فالنورس يغني ويشتبك هذا الغناء البديع بالشراع القادم من بعيد بعد أن ملّ المغني من ملوحة بدأت تتكاثر على الشاطيء وتتبلور على الشفاه ، وفي هذا الرجوع تنتعش الآمال ، و يشعر الشخص بالأمان حتى أنه يفرد ظله بعد عناء العمر .
وهو في نفس القصيدة يجسد في مشهد رمزي دال ما يجمع بين التيار الذي همش الناس في مدنهم وبين السمك الخائف والشباك المليئة بالأشواك ، وهي صورة جيدة مقتلعة من أجواء ساحلية تؤكد أن نجاح التشكيل بالصورة يتحقق كلما أمكن للفنان الشاعر أن يتوغل في نسيج واقعه ويتأمل علاقاته كي يضفي عليها شيئا من ذاته .
وربما بدا من أكثر ملامح خصوصية الشاعر هو نزعة المقاومة التي تتوسل بلغة حية تشعرنا على الفور أننا مع مقاتل قديم ، أو محارب صاحب تجربة حقيقية في التعامل مع الخصوم أو من يأتون بالعدوان ، وسيدهشنا أن يعود ( الحمام ) مسيطرا على فضاء النص ليصنع تلك المقارنة الفورية بين طيره الآمن من ناحية ، وبين صوت الطلقات التي تخدش كل ما يستثيره هذا الكائن المسالم من أمن ، وألفة ، ورقة من ناحية أخرى :
مقدرش أنا ياحمام
أنشن على صدرك
لانزع هديل قولك
والريشة من جدرك
الفرقة ولا اللقا
والخطوة ليه مخنقة
ورصاصة في البندقية
طلقتها مجنونة؟؟
لياليكي يا ( بأونة..)
متسربلة ف فستان
ضيق على الموجة
عشتنا للدقناش
ما تكفناش أوضة
تطلقنا للمريخ
العتة والزرنيخ شاقق زكايبنا
والبنت تتمختر
بجزمة مهيش لميع
والكعب متكسر
زمن دائري يجعل الصور تتكاثر وتتراكب ، مع نغمة سردية صرنا نبصرها في قصائد عبده العباسي الذي يستحضر الحمام ، ويرفض أن يصوب ماسورة بندقيته نحو صدره ، فهناك عهد بينهما ، وفي نفس المشهد يتساءل عن الرصاصة المجنونة في خزنة البندقية ، وعبر تلمس البرد الذي هو غربة الجسد في مهاوي الزمن يشعر برطوبة الأيام البعيدة ، لكن على النقيض يشعر بصهد بؤونة ، وتتسربل البنت في فستان من الموضة لكن كعبها محطم ، وهي صورة سوريالية خاصة أن الشاعر يستدعي في مقابل " الحمام " الجميل " طائر " الدقناش " البائس في الأدبيات الشعبية ، وقد احتل العش ، ومن الجو الفانتازي الذي يشكله الشاعر يكون الرفض فهو يشكل صورة غرائبية تصدم ذائقتنا ، وتعصف بالصور الجمالية التي كونتها خبرتنا مع عناصر الحياة من حولنا . لذا يصبح الرفض للصورة القاتمة هو نوع من المقاومة القادرة على رفض كل زيف ، وممانعة لحالات السقوط ، ولما لا وهذا الشاعر هو ابن من أبناء مدينة عرف عنها دائما التمرد على كل أحوال القهر ، وصنوف المحن ، والابتلاء.
بقلم الناقد والأديب الكبير
سمير الفيل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سمير الفيل / التشكيل بالصورة .. رؤية جمالية لقصائد مقاتلة في شعر عبده العباسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جماعة ابحار الادبية  :: الإبداع الدرامي :: دراسات نقدية-
انتقل الى: